سورة مريم - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


نزل {فخلف} في اليهود عن ابن عباس ومقاتل، وفيهم وفي النصارى عن السدي، وفي قوم من أمّة الرسول يأتون عند ذهاب صالحيها يتبارزون بالزنا ينزو في الأزقة بعضهم على بعض عن مجاهد وقتادة وعطاء ومحمد بن كعب القرظي. وعن وهب: هم شرّابو القهوة، وتقدم الكلام على {خلف} في الأعراف، وإضاعة الصلاة تأخيرها عن وقتها قاله ابن مسعود والنخعي والقاسم بن مخيمرة ومجاهد وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز. وقال القرظي واختاره الزجّاج: إضاعتها الإخلال بشروطها. وقيل: إقامتها في غير الجماعات. وقيل: عدم اعتقاد وجوبها. وقيل: تعطيل المساجد والاشتغال بالصنائع. والاسباب، و{الشهوات} عام في كل مشتهى يشغل عن الصلاة وذكر الله. وعن عليّ من بني الشديد وركب المنظور ولبس المشهور. وقرأ عبد الله والحسن وأبو رزين العقيلي والضحاك وابن مقسم الصلوات جمعاً. والغيّ عند العرب كل شر، والرشاد كل خير. قال الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
وقال الزجاج: هو على حذف مضاف أي جزاء غي كقوله {يلق أثاماً} أي مجازة آثام. وقال ابن زيد: الغي الخسران والحصول في الورطات. وقال عبد الله بن عمرو وابن مسعود وكعب: غيّ واد في جهنم. وقال ابن زيد: ضلال. وقال الزمخشري: أو {غياً} عن طريق الجنة. وحكى الكرماني: آبار في جهنم يسيل إليها الصديد والقيح. وقيل: هلاك. وقيل: شر. وقرئ فيما حكى الأخفش {يلقون} بضم الياء وفتح اللام وشد القاف. {إلا من تاب} استثناء ظاهره الاتصال. وقال الزجاج: منقطع {وآمن} هذا يدل على أن تلك الإضاعة كفر، وقرأ الحسن {يدخلون} مبنياً للفاعل، وكذا كل ما في القرآن من {يدخلون}. وقرأ كذلك هنا الزهري وحميد وشيبة والأعمش وابن أبي ليلى وابن مناذر وابن سعدان. وقرأ ابن غزوان عن طلحة: سيدخلون بسين الاستقبال مبنياً للفاعل.
وقرأ الجمهور جنات نصباً جمعاً بدلاً من {الجنة} {ولا يظلمون شيئاً} اعتراض أو حال. وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر والأعمش وأحمد بن موسى عن أبي عمرو {جنات} رفعاً جمعاً أي تلك جنات وقال الزمخشري الرفع على الابتداء انتهى يعني والخبر {التي}. وقرأ الحسن بن حي وعليّ بن صالح جنة عدن نصباً مفرداً ورويت عن الأعمش وهي كذلك في مصحف عبد الله. وقرأ اليماني والحسن وإسحاق الأزرق عن حمزة جنة رفعاً مفرداً و{عدن} إن كان علماً شخصياً كان التي نعتاً لما أضيف إلى {عدن} وإن كان المعنى إقامة كان {التي} بدلاً.
وقال الزمخشري: {عدن} معرفة علم لمعنى العدن وهو الإقامة، كما جعلوا فينة وسحر وأمس في من لم يصرفه أعلاماً لمعاني الفينة والسحر والأمس، فجرى العدن كذلك.
أو هو علم الأرض الجنة لكونه مكان إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلاّ موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي انتهى.
وما ذكره متعقب. أما دعواه أن عدناً علم لمعنى العدن فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب، وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وأما قوله ولو لا ذلك إلى قوله موصوفة فليس مذهب البصريين لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم تكن موصوفة، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون وهم محجوجون بالسماع علم ما بيناه في كتبنا في النحو، فملازمته فاسدة. وأما قوله: ولما ساغ وصفها بالتي فلا يتعين كون التي صفة، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلاً و{بالغيب} حال أي وعدها وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها، ويحتمل أن تكون الباء للسبب أي بتصديق الغيب والإيمان به. وقال أبو مسلم: المراد الذين يكونون عباداً بالغيب أي الذين يعبدونه في السر، والظاهر أن {وعده} مصدر. فقيل: {مأتياً} بمعنى آتياً. وقيل: هو على موضوعه من أنه اسم المفعول. وقال الزمخشري: {مأتياً} مفعول بمعنى فاعل، والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها، أو هو من قولك أتى إليه إحساناً أي كان وعده مفعولاً منجزاً، والقول الثاني وهو قوله: والوجه مأخوذ من قول ابن جريج قال: {وعده} هنا موعوده وهو الجنة، و{مأتياً} يأتيه أولياؤه انتهى.
{إلا سلاماً} استثناء منقطع وهو قول الملائكة {سلام عليكم بما صبرتم} وقيل: يسلم الله عليهم عند دخولها. ومعنى {بكرة وعشياً} يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن. وقال مجاهد: لا بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا. وقد ذكر نحوه قتادة أن تكون مخاطبة بما تعرف العرب في رفاهة العيش. وقال الحسن: خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش، وذلك أن كثيراً من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان. وقال الزمخشري: اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته، وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها. وما أحسن قوله {وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً} {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} الآية أي أن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم {لغواً} فلا يسمعون لغواً إلاّ ذلك فهو من وادي قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب
أو {لا يسمعون فيها} إلاّ قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة على الاستثناء المنقطع، أو لأن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة، ودار السلام هي دار السلامة وأهلها عن الدعاء بالسلامة أغنياء. فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الكلام.
وقال أيضاً: ولا يكون ثم ليل ولا نهار ولكن على التقدير. ولأن المتنعم عند العرب من وجد غداءً وعشاءً. وقيل: أراد دوام الرزق ودروره كما تقول: أنا عند فلان صباحاً ومساءً وبكرةً وعشياً، ولا يقصد الوقتين المعلومين انتهى. وقرأ الجمهور {نورث} مضارع أورث، والأعمش نورثها بإبراز الضمير العائد على الموصول، والحسن والأعرج وقتادة ورويس وحميد وابن أبي عبلة وأبو حيوة ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الواو وتشديد الراء. والتوريث استعارة أي تبقى عليه الجنة كما يبقى على الوارث مال الموروث، والأتقياء يلقون ربهم قد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة، فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى. وقيل: أورثوا من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا.
{وما نتنزل إلاّ بأمر ربك} أبطأ جبريل عن الرسول مرة، فلما جاء قال: «يا جبريل قد اشتقت إليك أفلا تزورنا أكثر مما تزورنا»؟ فنزلت. وقال مجاهد والضحاك: سببها أن جبريل عليه السلام تأخر في السؤالات المتقدمة في سورة الكهف وهي كالتي في الضحى، وتنزل تفعل وهي للمطاوعة وهي أحد معاني تفعل، تقول: نزلته فتنزل فتكون لمواصلة العمل في مهلة، وقد تكون لا يلحظ فيه ذلك إذا كان بمعنى المجرد كقولهم: تعدى الشيء وعداه ولا يكون مطاوعاً فيكون تنزل في معنى نزل. كما قال الشاعر:
فلست لأنسى ولكن لملاك *** تنزل من جو السماء يصوب
وقال الزمخشري: التنزل على معنيين: معنى النزول على مهل، ومعنى النزول على الإطلاق. كقوله:
فلست لأنسى البيت
لأنه مطاوع نزّل ونزّل يكون بمعنى أنزل وبمعنى التدريج واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل، والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتاً غبّ وقت انتهى.
وقال ابن عطية: وهذه الواو التي في قوله {وما نتنزل} هي عاطفة جملة كلام على أخرى واصلة بين القولين، وإن لم يكن معناهما واحداً. وحكى النقاش عن قوم أن قوله و{ما نتنزل} متصل بقوله {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً} وهذا قول ضعيف انتهى.
والذي يظهر في مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة زكريا ومريم وذكر إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ثم ذكر أنهم أنعم تعالى عليهم وقال {ومن ذرية إبراهيم} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، وذكر تعالى أنه خلف بعد هؤلاء خلف وهم اليهود والنصارى أصحاب الكتب لأن غيرهم لا يقال فيهم أضاعوا الصلاة إنما يقال ذلك فيمن كانت له شريعة فرض عليهم فيها الصلاة بوحي من الله تعالى، وكان اليهود هم سبب سؤال قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم تلك المسائل الثلاث، وأبطأ الوحي عنه ففرحت بذلك قريش واليهود وكان ذلك من اتباع شهواتهم، هذا وهم عالمون بنبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {وما نتنزل} تنبيهاً على قصة قريش واليهود، وأن أصل تلك القصة إنما حدثت من أولئك الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وختماً لقصص أولئك المنعم عليهم لمخاطبة أشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم واستعذاراً من جبريل عليه السلام للرسول بأن ذلك الإبطاء لم يكن منه إذ لا يتنزل إلاّ بأمر الله تعالى، ولما كان إبطاء الوحي سببه قصة السؤال وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقرن أن يجيبهم بالمشيئة، وكان السؤال متسبباً عن اتباع اليهود شهواتهم وخفيات خبثهم اكتفى بذكر النتيجة المتأخرة عن ذكر ما آثرته شهواتهم الدنيوية وخبثهم.
قال أبو العالية: ما بين الأيدي الدنيا بأسرها إلى النفخة الأولى، وما خلف ذلك الآخرة من وقت البعث، وما بين ذلك ما بين النفختين. قال ابن عطية: وقول أبي العالية إنما يتصور في بني آدم، وهذه المقالة هي للملائكة فتأمله. وقال ابن جريج: ما بين الأيدي هو ما مر من الزمان قبل الإيجاد، وما خلف هو ما بعد موتهم إلى استمرار الآخرة، وما بين ذلك هو مدة الحياة. وفي كتاب التحرير والتحبير {ما بين أيدينا} الآخرة {وما خلفنا} الدنيا رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير وقتادة ومقاتل وسفيان. وقال مجاهد: عكسه. وقال الأخفش: {ما بين أيدينا} قبل أن نخلق {وما خلفنا} بعد الفناء {وما بين ذلك} ما بين الدنيا والآخرة. وقال مجاهد وعكرمة وأبو العالية: ما بين النفختين. وقال الأخفش: حين كوننا. وقال صاحب الغينان: {ما بين أيدينا} نزول الملائكة من السماء، {وما خلفنا} من الأرض {وما بين ذلك} ما بين السماء والأرض. قال ابن القشيري مثل قول ابن جريج، ثم قال: حصر الأزمنة الثلاثة وهي أن كلها لله هو منشئها ومدبر أمرها على ما يشاء من تقديم إنزال وتأخيره انتهى. وفيه بعض تلخيص وتصرف.
وقال ابن عطية: إنما القصد الإشعار بملك الله تعالى لملائكته، وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحكمته إذ الأمكنة له وهم له، فلو ذهب بالآية إلى أن المراد بما بين الأيدي وما خلف الأمكنة التي فيها تصرفهم والمراد بما بين ذلك هم أنفسهم ومقاماتهم لكان وجهاً كأنه قال: نحن مقيدون بالقدرة لا ننتقل ولا نتنزل إلاّ بأمر ربك انتهى. وما قاله فيه ابن عطية له إلى آخره ذهب إلى نحوه الزمخشري قال له: ما قدامنا وما خلفنا من الجهات والأماكن. وما نحن فيها، فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلاّ بأمر المليك ومشيئته، والمعنى أنه محيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلاّ صادراً عما توجبه حكمته ويأمرنا ويأذن لنا فيه انتهى.
وقال البغوي: له علم ما بين أيدينا.
وقال أبو مسلم وابن بحر: {وما نتنزل} الآية ليس من كلام الملائكة وإنما هو من كلام أهل الجنة بعضهم لبعض إذا دخلوها وهي متصلة بالآية الأولى إلى قوله {وما بين ذلك} أي ما ننزل الجنة إلاّ بأمر ربك له {ما بين أيدينا} أي في الجنة مستقبلاً {وما خلفنا} مما كان في الدنيا وما بينهما أي ما بين الوقتين. وحكى الزمخشري هذا القول فقال: وقيل هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة أي وما ننزل الجنة إلاّ بإذن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازي عليها.
ثم قال تعالى تقريراً لهم {وما كان ربك نسياً} لأعمال العاملين غافلاً عما يجب أن يثابوا به، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذي ملكوت السموات والأرض وما بينهما انتهى. وقال القاضي: هذا مخالف للظاهر من وجوه.
أحدهما: أن ظاهر التنزيل نزول الملائكة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولقوله {بأمر ربك} فظاهر الأمر بحال التكليف أليق.
وثانيها: خطاب من جماعة لواحد، وذلك لا يليق بمخاطبة بعضهم لبعض في الجنة.
وثالثها: أن ما في مساقه {وما كان ربك نسياً رب السموات والأرض} لا يليق بحال التكليف ولا يوصف به الرسول انتهى.
وقرأ الجمهور {وما نتنزل} بالنون عنى جبريل نفسه والملائكة. وقرأ الأعرج بالياء على أنه خبر من الله. قيل: والضمير في يتنزل عائد على جبريل عليه السلام. قال ابن عطية: ويردّه له {ما بين أيدينا} لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبراً عن جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي انتهى. ويحمل ذلك القول على إضمار أي وما يتنزل جبريل إلاّ بأمر ربك قائلاً له {ما بين أيدينا} أي يقول ذلك على سبيل الاستعذار في البطء عنك بأن ربك متصرف فينا ليس لنا أن نتصرف إلاّ بمشيئته، وإخبار أنه تعالى ليس بناسيك وإن تأخر عنك الوحي.
وارتفع {رب السموات} على البدل أو على خبر مبتدإٍ محذوف. وقرأ الجمهور {هل تعلم} بإظهار اللام عند التاء. وقرأ الأخوان وهشام وعليّ بن نصر وهارون كلاهما عن أبي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن بالإدغام فيهما. قال أبو عبيدة: هما لغتان وعلى الإدغام أنشدوا بيت مزاحم العقيلي:
فذر ذا ولكن هل تعين متيماً *** على ضوء برق آخر الليل ناصب
وعدي فاصطبر باللام على سبيل التضمين أي اثبت بالصبر لعبادته لأن العبادة تورد شدائد، فاثبت لها وأصله التعدية بعلى كقوله تعالى {واصطبر عليها} والسميّ من توافق في الاسم تقول: هذا سميك أي اسمه مثل اسمك، فالمعنى أنه لم يسم بلفظ الله شيء قط، وكان المشركون يسمون أصنامهم آلهة والعزّى إله وأما لفظ الله فلم يطلقوه على شيء من أصنامهم.
وعن ابن عباس: لا يسمى أحد الرحمن غيره. وقيل: يحتمل أن يعود ذلك على قوله {رب السموات والأرض وما بينهما} أي هل تعلم من يسمى أو يوصف بهذا الوصف، أي ليس أحد من الأمم يسمى شيئاً بهذا الاسم سوى الله. وقال مجاهد وابن جبير وقتادة {سمياً} مثلاً وشبيهاً، وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً. قال ابن عطية: وكان السميّ بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو، وهذا قول حسن ولا يحسن في ذكر يحيى انتهى. يعني لم نجعل له من قبل {سمياً}. وقال غيره: يقال فلان سميّ فلان إذا شاركه في اللفظ، وسمِّيه إذا كان مماثلاً له في صفاته الجميلة ومناقبه. ومنه قول الشاعر:
فأنت سمي للزبير ولست للزبير *** سمياً إذ غدا ما له مثل
وقال الزجاج: هل تعلم أحداً يستحق أن يقال له خالق وقادراً إلاّ هو. وقال الضحاك: ولداً رداً على من يقول ولد الله.


قيل: سبب النزول أن رجلاً من قريش قيل هو أُبَيّ بن خلف جاء بعظم رفات فنفخ فيه، وقال للرسول: أيبعث هذا؟ وكذب وسخر، وإسناد هذه المقالة للجنس بما صدر من بعضهم. كقول الفرزدق:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به *** نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
أسند الضرب إلى بني عبس مع قوله نبا بيدي، ورقاء وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، أو للجنس الكافر المنكر للبعث أو المعنى أُبَيّ بن خلف، أو العاصي بن وائل، أو أبو جهل، أو الوليد بن المغيرة أقوال. وقرأ الجمهور {أئذا} بهمزة الاستفهام. وقرأت فرقة منهم ابن ذكوان بخلاف عنه إذا بدون همزة الاستفهام. وقرأ الجمهور {لسوف} باللام. وقرأ طلحة بن مصرف سأخرج بغير لام وسين الاستقبال عوض سوف، فعلى قراءته تكون إذاً معمولاً لقوله سأخرج لأن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده من الفعل فيما قبله، على أن فيه خلافاً شاذاً وصاحبه محجوج بالسماع. قال الشاعر:
فلما رأته آمناً هان وجدها *** وقالت أبونا هكذا سوف يفعل
فهكذا منصوب بفعل وهو بحرف الاستقبال. وحكى الزمخشري أن طلحة بن مصرف قرأ لسأخرج، وأما على قراءة الجمهور وما نقله الزمخشري من قراءة طلحة فاللام لام الابتداء فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، فيقدر العالمل محذوفاً من معنى {لسوف أخرج} تقديره إذا ما مت أبعث.
وقال الزمخشري: فإن قلت لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال، فكيف جامعت حرف الاستقبال؟ قلت: لم تجامعها إلاّ مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض، واضمحل عنها معنى التعريف انتهى.
وما ذكر من أن اللام تعطي معنى الحال مخالف فيه، فعلى مذهب من لا يقول ذلك يسقط السؤال، وأما قوله كما أخلصت الهمزة إلى آخره فليس ذلك إلاّ على مذهب من يزعم أن الأصل فيه إله، وأما من يزعم أن أصله لاه فلا تكون الهمزة فيه للتعويض إذ لم يحذف منه شيء، ولو قلنا إن أصله إله وحذفت فاء الكلمة لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض، إذ لو كانت للعوض من المحذوف لثبتت دائماً في النداء وغيره، ولما جاز حذفها في النداء قالوا: يا الله بحذفها وقد نصوا على أن قطع همزة الوصل في النداء شاذ. وقال ابن عطية: واللام في قوله {لسوف} مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلاً قال للكافر: إذا مت يا فلان لسوف تخرج حياً، فقرر الكلام على الكلام على جهة الاستبعاد، وكرر اللام حكاية للقول الأول انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التقدير ولا أن هذا حكاية لقول تقدم، بل هذا من الكافر استفهام فيه معنى الجحد والإنكار، ومن قرأ إذا ما أن تكون حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليه، وإما أن يكون إخباراً على سبيل الهزء والسخرية بمن يقول ذلك إذ لم يرد به مطابقة اللفظ للمعنى.
وقرأ الجمهور {أُخرج} مبنياً للمفعول. وقرأ الحسن وأبو حيوة مبنياً للفاعل. وقال الزمخشري: وإيلاؤه أي وإيلاء الظرف حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة، ومنه جاء إنكارهم فهو كقولك للمسيء إلى المحسن أحين تمت عليك نعمة فلأن أسأت إليه.
وقرأ أبو بحرية والحسن وشيبة وابن أبي ليلى وابن مناذر وأبو حاتم ومن السبعة عاصم وابن عامر ونافع {أو لا يذكر} خفيفاً مضارع ذكر. وقرأ باقي السبعة بفتح الذال والكاف وتشديدهما أصله يتذكر أدغم التاء في الذال. وقرأ أُبَيّ يتذكر على الأصل. قال الزمخشري: الواو عاطفة لا يذكر على يقول، ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف انتهى. وهذا رجوع منه إلى مذهب الجماعة من أن حرف العطف إذا تقدمته الهمزة فإنما عطف ما بعدها على ما قبلها، وقدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام، وكان مذهبه أن يقدر بين الهمزة والحرف ما يصلح أن يعطف عليه ما بعد الواو فيقر الهمزة على حالها، وليست مقدمة من تأخير وقد رددنا عليه هذه المقالة.
{أنّا خلقناه من قبل} أي أنشأناه واخترعناه من العدم الصرف إلى الوجود، فكيف ينكر النشأة الثانية وهذه الحجة في غاية الاختصار والإلزام للخصم، ويسمى هذا النوع الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي، وقد تكرر هذا الاحتجاج في القرآن: {ولم يك شيئاً} إشارة إلى العدم الصرف وانتفاء الشيئية عنه يدل على أن المعدوم لا يسمى شيئاً. وقال أبو علي الفارسي: {ولم يك شيئاً} موجود أو هي نزعة اعتزالية والمحذوف المضاف إليه {قبل} في التقدير قدره بعضهم {من قبل} بعثه، وقدره الزمخشري {من قبل} الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه انتهى.
ولما أقام تعالى الحجة الدامغة على حقية البعث أقسم على ذلك باسمه مضافاً إلى رسوله تشريفاً له وتفخيماً، وقد تكرر هذا القسم في القرآن تعظيماً لحقه ورفعاً منه كما رفع من شأن السماء والأرض بقوله {فورب السماء والأرض إنه لحق} والواو في {والشياطين} للعطف أو بمعنى مع يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وهذا إذا كان الضمير في {لنحشرنهم} للكفرة وهو قول ابن عطية وما جاء بعد ذلك فهو من الإخبار عنهم وبدأ به الزمخشري، والظاهر أنه عام للخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم ولم يفرق بين المؤمنين والكافرين كما فرق في الجزاء، وأحضروا جميعاً وأوردوا النار ليعاين المؤمنون الأهوال التي نجوا منها فيسروا بذلك ويشمتوا بأعدائهم الكفار، وإذا كان الضمير عاماً فالمعنى يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنم كما كانوا في الموقف متجاثين لأنه من توابع التوافق للحساب قبل الوصول إلى الثواب والعقاب.
وقال تعالى في حالة الموقف {وترى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها} و{جثياً} حال مقدرة. وعن ابن عباس: قعوداً، وعنه جماعات جماعات جمع جثوة وهو المجموع من التراب والحجارة. وقال مجاهد والحسن والزجّاج: على الركب. وقال السدّي قياماً على الركب لضيق المكان بهم.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص {جثياً} و{عتياً} و{صلياً} بكسر الجيم والعين والصاد والجمهور بضمها {ثم لننزعن} أي لنخرجن كقوله {ونزع يده} وقيل: لنرمين من نزع القوس وهو الرمي بالسهم، والشيعة الجماعة المرتبطة بمذهب. قال أبو الأحوص: يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً. وقال الزمخشري: يمتاز من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم وأعتاهم فأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب فقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم، والضمير في {أيهم} عائد على المحشورين المحضرين. وقرأ الجمهور {أيهم} بالرفع وهي حركة بناء على مذهب سيبويه، فأيهم مفعول بننزعن وهي موصولة: و{أشد} خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة لأيهم وحركة إعراب على مذهب الخليل ويونس على اختلاف في التخريج. و{أيهم أشد} مبتدأ وخبر محكي على مذهب الخليل أي الذين يقال فيهم {أيهم أشد}. وفي موضع نصب فيعلق عنه {لننزعن} على مذهب يونس، والترجيح بين هذه المذاهب مذكور في علم النحو. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون النزع واقعاً على من كل شيعة كقوله {ووهبنا لهم من رحمتنا} أي {لننزعن} بعض {كل شيعة} فكأن قائلاً قال: من هم؟ فقيل إنهم أشد {عتياً} انتهى. فتكون {أيهم} موصولة خبر مبتدأ محذوف، وهذا تكلف وادعاء إضمار لا ضرورة تدعو إليه، وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين، وقرن الخليل تخريجه بقول الشاعر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل *** فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت يقال فيّ لا حرج ولا محروم، ورجح الزجاج قول الخليل وذكر عنه النحاس أنه غلط سيبويه في هذه المسألة. قال سيبويه: ويلزم على هذا أن يجوز اضرب السارق الخبيث الذي يقال له قيل، وليس بلازم من حيث هذه أسماء مفردة والآية جملة وتسلط الفعل على المفرد أعظم منه على الجملة. ومذهب الكسائي أن معنى {لننزعن} لنناذين فعومل معاملته فلم تعمل في أي انتهى. ونقل هذا عن الفراء. قال المهدوي: ونادى تعلق إذا كان بعده جملة نصب فتعمل في المعنى ولا تعمل في اللفظ. وقال المبرد: {أيهم} متعلق بشيعة، فلذلك ارتفع والمعنى من الذين تشايعوا {أيهم أشد} كأنهم يتبادرون إلى هذا، ويلزم أن يقدر مفعولاً {لننزعن} محذوفاً وقدر أيضاً في هذا المذهب من الذين تشايعوا {أيهم} أي من الذين تعاونوا فنظروا {أيهم أشد}. قال النحاس: وهذا قول حسن. وقد حكى الكسائي أن التشايع هو التعاون.
وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول: في {أيهم} معنى الشرط، تقول: ضربت القوم أيهم غضب، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا فعلى هذا يكون التقدير إن اشتد عتوهم أو لم يشتد.
وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء وزائدة عن الأعمش {أيهم} بالنصب مفعولاً بلننزعنّ، وهاتان القراءتان تدلان على أن مذهب سيبويه أنه لا يتحتم فيها البناء إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، وقد نقل عنه تحتم البناء وينبغي أن يكون فيه على مذهبه البناء والإعراب. قال أبو عمرو الجرمي: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحداً يقول لأضربن أيهم قائم بالضم بل بنصبها انتهى. وقال أبو جعفر النحاس: وما علمت أحداً من النحويين إلاّ وقد خطأ سيبويه، وسمعت أبا إسحاق يعني الزجاج يقول: ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلاّ في موضعين هذا أحدهما. قال: وقد أعرب سيبويه أياً وهي مفردة لأنها تضاف فكيف يبنيها وهي مضافة؟.
و {على الرحمن} متعلق بأشد. و{عتياً} تمييز محول من المبتدإ تقديره {أيهم} هو عتوه {أشد على الرحمن} وفي الكلام حذف تقديره فيلقيه في أشد العذاب، أو فيبدأ بعذابه ثم بمن دونه إلى آخرهم عذاباً. وفي الحديث: «إنه تبدو عنق من النار فتقول: إني أمرت بكل جبار عنيد فتلتقطهم» وفي بعض الآثار: «يحضرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين ثم يقدم الأكفر فالأكفر». قال ابن عباس: {عتياً} جراءة. وقال مجاهد: فجراً. وقيل: افتراء بلغة تميم. وقيل: {عتياً} جمع عات فانتصابه على الحال.
{ثم لنحن أعلم} أي نحن في ذلك النزع لا نضع شيئاً غير موضعه، لأنا قد أحطنا علماً بكل واحد فأولى بصلى النار نعلمه. قال ابن جريج: أولى بالخلود. وقال الكلبي {صلياً} دخولاً. وقيل: لزوماً. وقيل: جمع صال فانتصب على الحال وبها متعلق بأولى. والواو في قوله {وإن منكم} للعطف. وقال ابن عطية: {وإن منكم إلاّ واردها} قسم والواو تقتضيه، ويفسره قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من مات له ثلاث من الولد لم تمسه النار إلاّ تحلة القسم» انتهى. وذهل عن قول النحويين أنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلاّ إذا كان الجواب باللام أو بأن، والجواب هنا جاء على زعمه بأن النافية فلا يجوز حذف القسم على ما نصوا. وقوله والواو تقتضيه يدل على أنها عنده واو القسم، ولا يذهب نحوي إلى أن مثل هذه الواو واو قسم لأنه يلزم من ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار، ولا يجوز ذلك إلاّ إن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه كما أولوا في قولهم: نعم السير على بئس العير، أي على عير بئس العير.
وقول الشاعر:
والله ما زيد بنام صاحبه ***
أي برجل نام صاحبه. وهذه الآية ليست من هذا الضرب إذ لم يحذف المقسم به وقامت صفته مقامه.
وقرأ الجمهور {منكم} بكاف الخطاب، والظاهر أنه عام للخلق وأنه ليس الورود الدخول لجميعهم، فعن ابن مسعود والحسن وقتادة هو الجواز على الصراط لأن الصراط ممدود عليها. وعن ابن عباس: قد يرد الشيء ولم يدخله كقوله {ولما ورد ماء مدين} ووردت القافلة البلد ولم تدخله، ولكن قربت منه أو وصلت إليه. قال الشاعر:
فلما وردن الماء زرقاً جمامة *** وضعن عصى الحاضر المتخيم
وتقول العرب: وردنا ماء بني تميم وبني كلب إذا حضروهم ودخلوا بلادهم، وليس يراد به الماء بعينه. وقيل: الخطاب للكفار أي قل لهم يا محمد فيكون الورود في حقهم الدخول، وعلى قول من قال الخطاب عام وأن المؤمنين والكافرين يدخلون النار ولكن لا تضر المؤمنين، وذكروا كيفية دخول المؤمنين النار بما لا يعجبني نقله في كتابي هذا لشناعة قولهم إن المؤمنين يدخلون النار وإن لم تضرهم.
وقرأ ابن عباس وعكرمة وجماعة وإن منهم بالهاء للغيبة على ما تقدم من الضمائر. وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد بالورود جثوهم حولها وإن أريد الكفار خاصة فالمعنى بيِّن، واسم {كان} مضمر يعود على الورود أي كان ورودهم حتماً أي واجباً قضي به. وقرأ الجمهور {ثم} بحرف العطف وهذا يدل على أن الورود عام. وقرأ عبد الله وابن عباس وأبيّ وعليّ والجحدري وابن أبي ليلى ومعاوية بن قرة ويعقوب ثَمَّ بفتح الثاء أي هناك، ووقف ابن أبي ليلى ثمه بهاء السكت. وقرأ الجمهور: {ننجي} بفتح النون وتشديد الجيم. وقرأ يحيى والأعمش والكسائي وابن محيصن بإسكان النون وتخفيف الجيم. وقرأت فرقة نجي بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة. وقرأ علي: ننحي بحاء مهملة مضارع نحى، ومفعول {اتقوا} محذوف أي الشرك والظلم هنا ظلم الكفر.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} نزلت في النضر بن الحارث وأصحابه، كان فقراء الصحابة في خشونة عيش ورثاثة سربال والمشركون يدهنون رؤوسهم ويرجلون شعورهم ويلبسون الحرير وفاخر الملابس، فقالوا للمؤمنين: {أي الفريقين خير مقاماً} أي منزلاً وسكناً {وأحسن ندياً} ولما أقام الحجة على منكري البعث وأتبعه بما يكون يوم القيامة أخبر عنهم أنهم عارضوا تلك الحجة الدامغة بحسن شارتهم في الدنيا، وذلك عندهم يدل على كرامتهم على الله. وقرأ أبو حيوة والأعرج وابن محيصن يتلي بالياء والجمهور بالتاء من فوق كان المؤمن يتلو على الكافر القرآن وينوه بآيات النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقول الكافر: إنما يحسن الله لأحب الخلق إليه وينعم على أهل الحق، ونحن قد أنعم علينا دونكم فنحن أغنياء وأنتم فقراء، ونحن أحسن مجلساً وأجمل شارة.
ومعنى {بينات} مرتلات الألفاظ ملخصات المعاني أو ظاهرات الإعجاز أو حججاً وبراهين.
و {بينات} حال مؤكدة لأن آياته تعالى لا تكون إلاّ بهذا الوصف دائماً. وقرأ الجمهور {مقاماً} بفتح الميم. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد والجعفي وأبو حاتم عن أبي عمر وبضم الميم واحتمل الفتح والضم أن يكون مصدراً أو موضع قيام أو إقامة، وانتصابه على التمييز. ثم ذكر تعالى كثرة ما أهلك من القرون ممن كان أحسن حالاً منهم في الدنيا تنبيهاً على أنه تعالى يهلكهم ويستأصل شأفتهم كما فعل بغيرهم واتعاظاً لهم إن كانوا ممن يتعظ، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من حسن الأثاث والري، ويعني إهلاك تكذيب لما جاءت به الرسل. و{من قرن} تبيين لكم و{كم} مفعول بأهلكنا.
وقال الزمخشري: و{هم أحسن} في محل النصب صفة لكم. ألا ترى أنك لو تركت {هك} لم يكن لك بد من نصب {أحسن} على الوصفية انتهى. وتابعه أبو البقاء على أن {هم أحسن} صفة لكم، ونص أصحابنا على أن {كم} الاستفهامية والخبرية لا توصف ولا يوصف بها، فعلى هذا يكون {هم أحسن} في موضع الصفة لقرن، وجمع لأن القرن هو مشتمل على أفراد كثيرة فروعي معناه، ولو أفرد الضمير على اللفظ لكان عربياً فصار كلفظ جميع. قال {لما جميع لدينا محضرون} وقال: نحن جميع منتصر فوصفه بالجمع وبالمفرد وتقدم تفسير الأثاث في سورة النحل.
وقرأ الجمهور {ورئياً} بالهمزة من رؤية العين فعل بمعنى مفعول كالطحن والسقي. وقال ابن عباس: الرئي المنظر. وقال الحسن: معناه صوراً. وقال الزهري وأبو جعفر وشيبة وطلحة في رواية الهمداني وأيواب وابن سعدان وابن ذكوان وقالون ورياً بتشديد الياء من غير همز، فاحتمل أن يكون مهموز الأصل من الرواء والمنظر سهلت همزته بإبدالها ياء ثم أدغمت الياء في الياء، واحتمل أن يكون من الريّ ضد العطش لأن الريان من الماء له من الحسن والنضارة ما يستحب ويستحن، كماله منظر حسن من وجه آخر مما يرى ويقابل. وقرأ أبو بكر في رواية الأعمش عن عاصم وحميد {ورئياً} بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب ووزنه فلعا، وكأنه من راء. قال الشاعر:
وكل خليل رآني فهو قائل *** من أجل هذا هامة اليوم أو غد
وقرئ ورياءً بياء بعدها ألف بعدها همزة، حكاها اليزيدي وأصله ورئاء من المراءاة أي يرى بعضهم بعضاً حسنه. وقرأ ابن عباس، فيما روي عنه طلحة ورياً من غير همز ولا تشديد، فتجاسر بعض الناس وقال هي لحن وليس كذلك بل لها توجيه بأن تكون من الرواء، وقلب فصار {ورئياً} ثم نقلت حركة الهمزة إلى الياء وحذفت، أو بأن تكون من الريّ وحذفت إحدى الياءين تخفيفاً كما حذفت في لا سيما، والمحذوفة الثانية لأنها لام الكلمة لأن النقل إنما حصل للكلمة بانضمامها إلى الأولى فهي أولى بالحذف. وقرأ ابن عباس أيضاً وابن جبير ويزيد البربري والأعسم المكي وزياً بالزاي مشدد الياء وهي البزة الحسنة، والآلات المجتمعة المستحسنة.


{فليمدد} يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء، وكان المعنى الأضل منا ومنكم مدّ الله له، أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه. وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل، ويحتمل أن يكون خبراً في المعنى وصورته صورة الأمر، كأنه يقول: من كان ضالاً من الأمم فعادة الله له أنه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة. وقال الزمخشري: أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك، وإنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} أو كقوله {إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} والظاهر أن {حتى} غاية لقوله {فليمدد} والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم فيها إلى أن يعاينوا العذاب بنصرة الله المؤمنين أو الساعة ومقدماتها.
وقال الزمخشري: في هذه الآية وجهان أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما أي قالوا {أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً} {حتى إذا رأوا ما يوعدون} أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين {إما العذاب} في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم، وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً، وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه، وأنهم {شر مكاناً وأضعف جنداً} لا {خير مقاماً وأحسن ندياً} وأن المؤمنين على خلاف صفتهم. انتهى هذا الوجه وهو في غاية البعد لطول الفصل بين قوله قالوا: {أي الفريقين} وبين الغاية وفيه الفصل بجملتي اعتراض ولا يجيز ذلك أبو علي.
قال الزمخشري: والثاني أن يتصل بما يليها فذكر نحواً مما قدمناه، وقابل قولهم خير مكاناً بقوله {شر مكاناً} وقوله {وأحسن ندياً} بقوله {وأضعف جنداً} لأن الندي هو المجلس الجامع لوجوه القوم والأعوان، والأنصار والجند هم الأعوان، والأنصار و{إما العذاب وإما الساعة} بدل من ما المفعولة برأوا. و{من} موصولة مفعولة بقوله {فسيعلمون} وتعدى إلى واحد واستفهامية، والفعل قبلها معلق والجملة في موضع نصب.
ولما ذكر إمداد الضال في ضلالته وارتباكه في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذلك بزيادة هدى للمهتدي وبذكر {الباقيات} التي هي بدل من تنعمهم في الدنيا الذي يضمحل ولا يثبت. و{مرداً} معناه مرجعاً وتقدم تفسير {الباقيات الصالحات} في الكهف. وقال الزمخشري: {يزيد} معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مداً ويمد له الرحمن {ويزيد} أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه انتهى. ولا يصح أن يكون {ويزيد} معطوفاً على موضع {فليمدد} سواء كان دعاء أم خبراً بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت {من} موصولة أو في موضع الجواب إن كانت {من} شرطية، وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ أو جملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على الخبر خبر، والمعطوف على جملة الجزاء جزاء، وإذا كانت أداة الشرط اسماً لا ظرفاً تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره أو ما يقول مقامه، وكذا في الجملة المعطوفة عليها.
وقال الزمخشري: هي {خير} {ثواباً} من مفاخرات الكفار {وخير مرداً} أي وخير مرجعاً وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد وهل يرد مكاني زيداً. فإن قلت: كيف قيل خير ثواباً كان لمفاخراتهم ثواباً حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه؟ قلت: كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم. وقوله:
شجعاء جربها الذميل تلوكه *** أصلاً إذا راح المطي غراثاً
وقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع ***
ثم بنى عليه خير ثواباً وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار. فإن قلت: فما وجه التفضيل في الخبر كان لمفاخرهم شركاء فيه؟ قلت: هذا من وجيز كلامهم يقولون: الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده انتهى.
{أفرأيت الذي كفر بآياتنا} نزلت في العاصي بن وائل عمل له خباب بن الأرث عملاً وكان قيناً، فاجتمع له عنده دين فتقاضاه فقال: لا أنصفك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك. فقال العاصي: أو مبعوث أنا بعد الموت؟ فقال خباب: نعم، قال: فائت إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك. وقال الحسن: نزلت في الوليد بن المغيرة وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض، ولما كانت رؤية الأشياء سبيلاً إلى الإحاطة بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت بمعنى أخبر، والفاء للعطف أفادت التعقيب كأنه قيل: أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك، والآيات: القرآن والدلالات على البعث. وقرأ الجمهور {ولداً} أربعتهن هنا، وفي الزخرف بفتح اللام والواو ويأتي الخلاف في نوح. وقرأ الأعمش وطلحة والكسائي وابن أبي ليلى وابن عيسى الأصبهاني بضم الواو وإسكان اللام، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى على الجنس لا ملحوظاً فيه الإفراد وإن كان مفرد اللفظ، وعلى هذه القراءة فقيل هو جمع كأسد وأسد، واحتج قائل ذلك بقول الشاعر:
ولقد رأيت معاشراً *** قد ثمروا مالاً وولداً
وقيل: هو مرادف للولد بالفتحتين واحتجوا بقوله:
فليت فلاناً كان في بطن أمه *** وليت فلاناً كان ولد حمار
وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر بكسر الواو وسكون اللام والهمزة في اطلع للاستفهام، ولذلك عادلتها {أم}.
وقرئ بكسر الهمزة في الابتداء وحذفها في الوصل على تقدير حذف همزة الاستفهام لدلالة {أم} عليها كقوله:
بسبع رمين الجمر أم بثمان ***
يريد أبسبع وجاء التركيب في أرأيت على الوضع الذي ذكره سيبويه من أنها تتعدى لواحد تنصبه، ويكون الثاني استفهاماً فأطلع وما بعده في موضع المفعول الثاني لأرأيت، وما جاء من تركيب أرأيت بمعنى أخبرني على خلاف هذا في الظاهر ينبغي أن يرد إلى هذا بالتأويل.
قال الزمخشري: {أطلع الغيب} من قولهم: أطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه واطلع الثنية. قال جرير:
لاقيت مطلع الجبال وعوراً ***
وتقول: مر مطلعاً لذلك الأمر أي عالياً له مالكاً له، ولاختيار هذه الكلمة شأن تقول: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار، والمعنى أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلاّ بأحد هذين الطريقين، إما علم الغيب، وإما عهد من عالم الغيب فبأيهما توصل إلى ذلك.
والعهد. قيل كلمة الشهادة. وقال قتادة: هل له عمل صالح قدمه فهو يرجو بذلك ما يقول. وعن الكلبي: هل عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك. و{كلا} ردع وتنبيه على الخطأ الذي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه. وقرأ أبو نهيك {كلا} بالتنوين فيهما هنا وهو مصدر من كلّ السيف كلاً إذا نبا عن الضريبة، وانتصابه على إضمار فعل من لفظه وتقديره كلوا كلاً عن عبادة الله أو عن الحق. ونحو ذلك، وكنى بالكتابة عن ما يترتب عليها من الجزاء. فلذلك دلت السين التي للاستقبال أي سنجازيه على ما ما يقول. وقال الزمخشري: فيه وجهان.
أحدهما: سيظهر له ونعلمه أنّا كتبنا قوله على طريقه قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ ***
أي تبين وعلم بالانتساب أني لست ابن لئيمة.
والثاني: أن المتوعد يقول للجاني سوف أنتقم منك يعني أنه لا يبخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان، واستأخر فجردها هنا لمعنى الوعيد انتهى.
وقرأ الجمهور {سنكتب} بالنون والأعمش بياء مضمومة والتاء مفتوحة مبنياً للمفعول، وذكرت عن عاصم {ونمد} أي نطول له {من العذاب} الذي يعذب به المستهزئون أو نزيده من العذاب ونضاعف له المدد. وقرأ عليّ بن أبي طالب {ونمد له} يقال مده وأمده بمعنى {ونرثه ما يقول} أُي نسلبه المال والولد فنكون كالوارث له. وقال الكلبي: نجعل ما يتمنى من الجنة لغيره. وقال أبو سهيل: نحرمه ما يتمناه من المال والولد ونجعله لغيره. قال الزمخشري: ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالاً وولداً، وبلغت به أشعبيته أن تألّى على الله في قوله {لأوتين} لأنه جواب قسم مضمر، ومن يتألَّ على الله يكذبه فيقول الله عز وعلا: هب أنّا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه منه في العاقبة {ويأتينا فرداً} غداً بلا مال ولا ولد كقوله تعالى
{ولقد جئتمونا فرادى} الآية فما يجدي عليه تمنيه وتأليه. ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حياً، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله {ويأتينا} رافضاً له {منفرداً} عنه غير قائل له انتهى.
وقال النحاس: {ونرثه ما يقول} معناه نحفظه عليه للعاقبة ومنه العلماء ورثة الأنبياء أي حفظة ما قالوه انتهى. و{فرداً} تتضمن ذلته وعدم أنصاره، و{يقول} صلة {ما} مضارع، والمعنى على الماضي أي ما قال. والضمير في {واتخذوا} لعبادة الأصنام وقد تقدم ما يعود عليه وهم الظالمون في قوله {ونذر الظالمين} فكل ضمير جمع ما بعده عائد عليه إن كان مما يمكن عوده عليه، واللام في {ليكونوا} لام كي أي {ليكونوا} أي الآلهة {لهم عزاً} يتعززون بها في النصرة والمنفعة والإنقاذ من العذاب.
{كلا} قال الزمخشري: {كلا} ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة. وقرأ ابن نهيك {كلا سيكفرون بعبادتهم} أي سيجحدون {كلا سيكفرون بعبادتهم} كقولك: زيد مررت بغلامه وفي محتسب ابن جنيّ {كلا} بفتح الكاف والتنوين، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والإعتقاد كلاً، ولقائل أن يقول إن صحت هذه الرواية فهي {كلا} التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قواريراً انتهى. فقوله وقرأ ابن نهيك الذي ذكر ابن خالويه وصاحب اللوامح وابن عطية وأبو نهيك بالكنية وهو الذي يحكى عنه القراءة في الشواذ وأنه قرأ {كلا} بفتح الكاف والتنوين وكذا حكاه عنه أبو الفتح. وقال ابن عطية وهو يعني {كلا} نعت للآلهة قال: وحكى عنه أي عن أبي نهيك أبو عمر والداني {كلا} بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه {سيكفرون} تقديره يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه. وأما قول الزمخشري ولقائل أن يقول إلى آخره فليس بجيد لأنه قال إنها التي للردع، والتي للردع حرف ولا وجه لقلب ألفها نوناً وتشبيهه بقواريراً ليس بجيد لأن قواريراً اسم رجع به إلى أصله، فالتنوين ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف. وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتم منع صرفه أم يجوز؟ قولان، ومنقول أيضاً أن لغة للعرب يصرفون ما لا ينصرف عند غيرهم، فهذا التنوين إما على قول من لا يرى بالتحتم أو على تلك اللغة. وذكر الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ كل بضم الكاف ورفع اللام ورفعه على الابتداء والجملة بعده الخبر، وتقدم ظاهر وهو الآلهة وتلاه ضمير في قوله ليكونوا فالأظهر أن الضمير في {سيكفرون} عائد على أقرب مذكور محدث عنه. فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم كما قال: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم} وفي آخرها {فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون}
وتكون {آلهة} هنا مخصوصاً بمن يعقل، أو يجعل الله للآلهة غير العاقلة إدراكاً تنكر به عبادة عابديه. ويجوز أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا كما قالوا {والله ربنا ما كنا مشركين} لكن قوله {ويكونون} يرجح القول الأول لاتساق الضمائر لواحد، وعلى القول الآخر يختلف الضمائر إذ يكون في {سيكفرون} للمشركين وفي {يكونون} للآلهة.
ومعنى {ضداً} أعواناً قاله ابن عباس. وقال الضحاك: أعداءً. وقال قتادة: قرناء. وقال ابن زيد: بلاءً. وقال ابن عطية: معناه يجيئهم منه خلاف ما كانوا أمّلوه فيؤول بهم ذلك إلى ذلة ضد ما أملوه من العز، فالضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد. وقال الزمخشري: والضد العون وحد توحيد وهم يد على من سواهم لإتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامنهم وتوافقهم، ومعنى كونهم عوناً عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم.

1 | 2 | 3 | 4